بين شاشتين

موضوع: بين شاشتين الأربعاء ديسمبر 26, 2007 8:06 am

بين شاشتين

لم تتأخر أبرز قناتين فضائيتين عربيتين، أي «العربية» و «الجزيرة»، لحظة عن متابعة الشأن اللبناني منذ بدأت أزمة الرئاسة تلوح في الأفق. جاءت التغطية مفصلة ومتشعبة كما هي الأزمة، الى درجة كدنا نخال القناتين محليتين بامتياز وتتنازعهما أهواء أهل البلد وميولهم.

سوى أن تغطية القناتين جاءت متباينة ومتناقضة فتركت انطباعاً كأنها تتحدث عن منطقتين مختلفتين من العالم. فالصور التي نقلتها «الجزيرة» تختلف جذرياً عن تلك التي بثتها «العربية» عن واقع حال بلد هو في نهاية المطاف واحد مهما تشرذمت معطياته. وبعيداً من السياسة والجولات المكوكية للموفدين والمرسلين الإقليميين والدوليين، يبقى أن طريقة بث الخبر اللبناني وتقنيته على القناتين تعكسان مواقف كل منهما وتستحق التوقف عندها.

فالتقارير التي أعدها مراسل «الجزيرة» صورت بغالبيتها قرب دبابات للجيش اللبناني، وفي شوارع مظلمة وقاحلة لا يعبرها إلا جنود مسلحون بما يشي بأن تلك الصورة تختزل الوضع العام في العاصمة اللبنانية. حتى شارع الحمرا، المكتظ في أحلك الظروف، بدا مقفراً ومعتماً في تقارير «الجزيرة» الى درجة ان رواده تساءلوا متى اتخذت تلك اللقطات وكيف تم ذلك على غفلة منهم. إنه الإيحاء الدائم بأن بيروت تعيش أجواء حرب مقبلة، وهو لم يغب عن تقارير «الجزيرة» لحظة واحدة.

يضاف إلى ذلك «التهويل» انحياز الى مرشح رئاسي دون سواه، ظهر جلياً في استعادة القناة أرشيف صور تعود إلى تظاهرات سابقة شهدتها المناطق اللبنانية ورفعت خلالها صور زعيم سياسي لم يكن قد تحول مرشحاً بعد، وبثها مراراً وتكراراً على الشاشة كأنها تحدث اليوم.

على النقيض الآخر، دعَمت «العربية» تقاريرها بجرعة زائدة من التفاؤل والمرح أفقدتها بعض صدقيتها بدورها. فصور أحد التقارير الشباب الساهرين في شارع الجميزة حيث المطاعم والحانات والملاهي فبدوا كأنهم من عالم آخر. إحدى الفتيات أعلنت صراحة «أنا أعيش حياتي وآخر همي الرئيس»، فيما قال آخر على عجل «طبعاً نحن قلقون» ومضى.

وكما «الجزيرة»، مالت «العربية» إلى طرف سياسي معين فمنحت نشاطاته تغطية مكثفة وسلطت الضوء على قادته وزعمائه وجعلت التقارير مؤيدة لوجهة نظرهم.

لا شك في أن الشاشتين اعتمدتا في عملهما على معطيات داخلية وواقعية. فلا «الجزيرة» استدعت كتيبة للجيش لتصورها، ولا «العربية» دعت الساهرين لتجعلهم كومبارس تفاؤلها. هناك فعلاً انتشار مكثف للجيش والقوى الأمنية في بعض مناطق العاصمة، تماماً كما لا يزال الشباب يترددون على المقاهي والملاهي. سوى أن المفارقة تكمن في أن هناك بين هذين النقيضين عوالم أخرى لأطياف متنوعة من اللبنانيين وحقائق وهموماً لم تنجح أي من القناتين في نقلها أو التقاطها.

عدد الرسائل : 20 تاريخ التسجيل : 02/01/2008

شكرا لك أخي ونحن في إنتدار جديدك

شكرا لك اخي